المذنبات والشهب والنيازك



المذنبات والشهب والنيازك
كلمة مذنب في الانكليزية (Comet) مشتقة من اللاتينية والتي تعني "شعر"، أي أن الثقافة الغربية رأت في المذنبات نجوما ً طائرة مع ذيل من الشعر، وفي ثقافات أخرى كان ينظر إلى المذنبات وكأنها نجوم وخلفها مكنسة .

كان الناس يخافون المذنبات قديما قبل أن يعرفوا ما هي، وكان الفلكي آدموند هالي قد شرح ظهور المذنبات، فأعتقد هالي أن المذنبات قد تكون هي أيضا جزءا من النظام الشمسي، وتتحرك في مسارات ثابتة حول الشمس، وبدأ بالأطلاع على كل ما يمكن إيجاده من المدونات عن المذنبات التي ظهرت سابقا، فأكتشف إن المذنب الذي شوهد عام 1682م، هو نفسه الذي شوهد في عامي 1531م، 1607م وإنطلاقا من هذا تنبأ هالي أن المذنب الذي يدعى بإسمه الآن سيظهر ثانية في عام 1758م، وكان آدموند هالي على حق حيث ظهر مذنبه في موعده. لكن هالي لم يكن على قيد الحياة وقتها ليشاهده، وقد ظهر لآخر مرة عام 1986م، وسيظهر مرة أخرى بعد 76 عاما، وإذا كان المذنب يظهر على فترات منتظمة فهذا يدل على أنه يسير بمسار بيضاوي منتظم حول الشمس. لقد كان آدموند هالي أول من قرر أن المذنبات أعضاء في النظام الشمسي تسبح في مدارات على هيئة قطع ناقص، ويوجد في منظومتنا الشمسية أكثر من مائة ألف مليون مذنب تدور حول الشمس بصفة مستمرة على مسافات بعيدة لا تقل عن 18 ألف مليون كيلو متر.

والمذنبات أجرام سماوية غير منتظمة الشكل، تتكون من كتلٍ من الجليد والصخور والغازات، وقد اقترح الفلكي فرد ويبل (Fred Whipple) عام 1950م وصفاً يدل على أن المذنبات كرات جليدية متسخة "dirty snowballs" لأنها في معظمها تتكون من الجليد المخلوط بالغازات وبعض الأتربة والصخور، وهي تختلف في خصائصها عن الكواكب فعدا عن أشكالها غير المنتظمة مقارنة مع الكواكب كروية الشكل بشكل عام، فان مداراتها شديدة الاستطالة بحيث يتفاوت موقعها بالنسبة للشمس بشكل كبير جداً من حيث القرب والبعد مقارنة مع مدارات الكواكب الإهليليجية أو الشبه دائرية، وتنقسم المذنبات إلى قسمين حسب طول دورة كل منها حول الشمس وهما:

· مذنبات طويلة الدورة : تستغرق مدة دورانها حول الشمس فترة زمنية أكثر من 200 سنة، ومن هذا النوع مذنب هيل _ بوب (Hale_Bopp) والذي مر في سماء الأردن عام 1997م حيث يتم دورة واحدة حول الشمس في 2400 سنة.

· مذنبات قصيرة الدورة: تستغرق مدة دورانها حول الشمس فترة زمنية أقل من 200 سنة، ومن هذا النوع مذنب هالي (Halley) الذي يتم دورة واحدة حول الشمس خلال 76 سنة.

ولا ترى المذنبات عند وجودها في مدارها بعيداً عن الشمس لأنـها أجسام معتمة وغير مضيئة بذاتها، ولكن مع اقترابها من الشمس تبــدأ مادة هذه الكتلة المظلمة بالتبخر والتفكك والتسامي. وتُـكنس هذه المادة خلف جسم المذنب بفعـــــل الرياح الشمسية فتشكل ذيلاً طويلاً جداً يمتـــد خلف نواة المذنب حيث تعمل هذه المادة على عكس أشعة الشمس الساقطة عليها فنراه، ويكون اتجاه هذا الذيل دائما معاكساً للشمس، ومع دوران المذنب وابتعاده عن الشمس يبدأ الذيل بالاختفاء تدريجيا أيضا، وقد يتكون للمذنب أكثر من ذيل.
تركيب المذنبات

يتكون المذنب من ثلاثة أقسام رئيسية نواة (كتلة صخرية) وذؤابة وهي السّحابة الّتي تحيط بالنّواة, و يعقبهما ذيل طويل من الغبار والغازات. والمذنب يتكون من جليد الماء والغبار والمواد العضوية، والنواة صخر غير متجانس الشكل فمثلا وجد أن نواة مذنب هالي كان لها شكل حبة البطاطا وطولها لا يتجاوز التسعة أميال وعرضها خمسة أميال فقط، والمذنبات موجودة في صقيع الفضاء مثل كرات الثلج على أطراف النظام الشمسي، وعند اقترابها من الشمس ترتفع حرارتها ويبدأ الجليد بالتبخر فتتكون الهالة وتنفلت المواد التي يتكون منها سطح المذنب في الفضاء حيث تدفعها الرياح الشمسية إلى الخلف فيتشكل الذيل الذي يميز المذنب وهناك عدد هائل من المذنبات تقع في أقاصي النظام الشمسي ويعود عمرها إلى بداية تكوين النظام الشمسي.
من أين تأتي المذنبات ؟

في عام 1951 اقترح الفلكي جيرارد كيوبر (Gerard Kuiper) أن المذنبات المنتظمة ذوات القترة القصيرة لابد وأن تكون قد أتت من منطقة أو مكان ما بعد كوكب (نبتون)، واقترح أن هناك ركام وبقايا من النظام الشمسي ما زالت هناك.هذه الفكرة تعززت بإدراك العلماء بأنه ولابد من تواجد مجموعة منفصلة من المذنبات (أطلق عليها مسمى عائلة المشتري) هذه المجموعة تتصرف بنحو مختلف عن تلك المذنبات التي تأتي من المسافات البعيدة جدا لغيمة أورت (Oort)، كما أنها تدور حول الشمس في فترة تكون أقل من عشرون عاما (مقابل 200 مليون عاما لما في سحابة أورت)، وبسبب أن مداراتهم تقع قرب مدار الأرض حول الشمس، وبالإضافة إلى أن كل تلك المذنّبات تدور حول الشمس وفي نفس الاتجاه مثل باقي كواكب المجموعة الشمسية.



وتأكدت فرضية كيوبر في أوائل الثمانينات عندما استخدم الحاسوب في أعمال محاكاة تشكل النظام الشمسي، وطبقا لهذه المحاكاة فإن هناك قرص من الحطام يمكن أن يتشكل طبيعيا حول حافة النظام الشمسي، وطبقا لهذا السيناريو فإن الكواكب تتكتل بسرعة في المنطقة الداخلية من المحيط النجمي للشمس، والحطام المتبقي سوف يبعد ويتجمع بتأثير جاذبية الشمس، وبذلك فإن المنطقة التي ما بعد نبتون (آخر العمالقة الغازية) يجب أن تكون هي حقل الحطام للأجسام المبعثرة والمتجمدة التي لم تلتئم لتشكيل كواكب.

ظل حزام كيوبر نظرية صحيحة نظريا دون وجود دليل مادي يدعمها حتى عام 1992م عند تم كشف جسم يبلغ قطره 240 كيلومتر ( سمى 1992QB1 ) في منطقة الحزام المشكوك فيها، تبع ذلك اكتشاف عدة أجسام بأحجام مماثلة لتؤكد وجود هذا الحزام، وبسرعة أصبحت النظرية حقيقية صحيحة.

لهذا فإن حزام كيوبر هو منطقة في الفضاء على هيئة قرص تقع بعد مدار نبتون وعلى بعد حوالي 50 وحدة فلكية، وتحتوي على الآلاف من الأجسام المتجمدة الصغيرة، وهو يعتبر مصدر مذنبات الفترة القصيرة.

ويعتبر حزام كيوبر مهما لدراسة النظام الشمسي حيث أنه من المحتمل أن تكون هذه الأجسام هي بقايا بدائية جدا من المراحل المبكرة لتكون النظام الشمسي، كما يعتقد على نحو واسع بأنه مصدر مذنبات الفترة القصيرة، ويعتبر كمخزن لهذه الأجسام.



ويعتقد بعض العلماء بأن تريتون وبلوتو مع قمره كارون مجرد أمثلة لأجسام من هذا الحزام، وطبقا للدراسات فيتوقع وجود ما يزيد عن مئة ألف جسم في هذا الحزام يتعدى قطرها الخمسون كيلومتر علاوة علي بلايين المذنبات التي تدور هناك، وقدر العلماء كتلة الحزام بعشر مرات كتلة الأرض.

والحزام يتكون من جزء داخلي على بعد حوالي 50 وحدة فلكية وجزء ثان خارجي تتوزع أجسامه علي بعد 100 وحدة فلكية.

ويعتقد العلماء أن أجسام الحزام تتكوّن من جليد الماء والصخور وبعض المواد العضوية والمعقّدة، ولونها يتدرّج من الرمادي والأحمر وأسطحها غامقة تماماً، وتعكس من ٣ ـ ٢٥% من كميّة الضوء الذي يقع عليها، ودرجة الحرارة ـ ٢٢٠ درجة مئوية ولا تتعدى الصڧر المطلق.



المذنبات في الماضي

انه لمنظر مهيب حقا منظر المذنب الضخم ذي الرأس المتألق والذيل المضيء الممتد بعيدا عبر السماء من السهل أن نفهم كيف أن المذنبات من هذا النوع قد نشرت الرعب في الأزمنة القديمة، حيث كانت المذنبات تعتبر دائما نذيره شؤم، ولم يزل الرعب الذي تثيره في القلوب حيا عند بعض المجتمعات البدائية .

ومما ورد في الوثائق التاريخية الأثرية القديمة ما وجد في التاريخ الصيني من تسجيل يتحدث عن ظهور مذنب هالي في سماء الصين عام 1057 قبل الميلاد .

وكذلك ورد في الوثائق التاريخية القديمة إنه في عام 66م ظهر في سماء القدس جرم معلق في السماء يسطع نوراً وله شكل السيف، وظل يرى لمدة عام كامل وكانوا يعتقدوا إنه يشير إلى غضب الرب مما يرتكبه البشر من ذنوب.



وفي عام 223 هـ الموافق 837 م ظهر في الأفق الغربي من سماء بغداد مذنب تبين في ما بعد أنه مذنب هالي وظل الناس يرونه لمدة أربعين ليلة وكان في تلك السنة قد قرر المعتصم بالله غزو عمورية معقل الروم، فنصحه المنجمون بأن يؤخر حملته حتى غياب المذنب أو إلى حين موعد قطاف العنب والتين لتحقيق النصر على الأعداء، ولكن المعتصم لم يسمع لهم وقاد جيشه إلى عمورية وانتصر وهدم المدينة وأسر كثير من الروم .فقال أبو تمام قصيدته البائية المشهورة والتي قال فيه :

وخوفوا الناس من دهياء مظلمة إذا بـدا الكـوكب الغربـي ذو الذنب

والعلم في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب

وفي عام 1066م شوهد مذنب يتحرك ببطء وقد رسمه احد فناني العصور الوسطى واعتبره النورمانديون بشارة لهم فغزا وليام الفاتح إنكلترا وقد وصف هذا المذنب في الوثائق النورماندية التاريخية ما يلي :ظهرت علامة في الغرب وهي عبارة عن نجم كبير جدا له أشعة بلون الدم برز مساء بعد مغيب الشمس ومكث في السماء سبعة أيام وأدى ظهوره إلى وقوع حروب داخلية وإلى غزو الكومان المغوليين للأراضي الروسية , إن نجم الدم هذا ينذر دائماً بالقتال.

وفي عام 1301 م ظهر مذنب في سماء أوربا ورسمه الرسام الشهير جيوتو في لوحة فنية زين به كنيسة سكروفنين في مدينة بادو الإيطالية ورسمه في موقعه بين برجي الحوت والدلو .

وفي عام 1378م ظهر نجم ذو ذنب له شكل الحربة واستمر عدة أيام في الشرق قبل الفجر وكان علامة شؤم حيث غزا التتار الأراضي الروسية .

ويزعم أن البابا كاليكستوس الثالث أصدر حرماناً كنسياً لمذنب هالي في أعقاب تزامن ظهوره عام عام 1456م مع هجوم كبير شنه الأتراك على جنوب شرق أوربا والتي فتح فيها محمد الفاتح رحمه الله القسطنطينية، وبعدها بعشر سنوات أي في عام 1466م ظهر مذنب في سماء أوربا وتخوف الناس منه ونغص عليهم احتفالات عيد الميلاد .وفي عام 1811م ظهر المذنب في أوربا فربط الناس بينه وبين الثورة الفرنسية وحروب نابليون مع الروس.
ثانيا: الشهب والنيازك
الشهب Meteors

ماذا ترى في السماء؟ . . . يرى المتأمل في السماء بين حين وآخر أجساماً مضيئة تخترق الغلاف الجوي بسرعة فائقة، ثم لا تلبث أن تنتهي قبل أن تصطدم بالأرض، نسمي هذه الأجسام شهباً، وإذا ارتطم الشهاب بالأرض سمي نيزكاً، على أن احتكاك الشهاب بالغلاف الجوي يعرض سطحه لاحتكاك شديد في الهواء، يجعله يفقد مادته شيئاً فشيئاً قبل أن يصطدم بسطح الأرض، إن الأرض تستقبل يوميًا خلال الـ24 ساعة حوالي 8 بلايين من هذه الشهب، يمكن مشاهدة 25 مليونا منها فقط بالعين المجردة في أماكن متفرقة، بينما يتعذر رؤية الباقي بسبب لمعانه الخافت. وباعتبار متوسط كتلة الجسيم المسبب للشهاب حوالي 0.25 جرام، فإن الأرض تستقبل ما بين 10 إلى 100 طن من تلك الجسيمات يوميا. فمن أين تأتي هذه الأجسام؟

داخل المجموعة الشمسية تهيم بلايين الأجسام الصلبة الصغيرة التي تتراوح أقطارها بين أجزاء المليمتر والسنتيمترات . . . هذه الأجسام الصغيرة جدًا ما هي إلا بقايا ومخلفات المذنبات، تنفصل منها ومن ذيلها عند الاقتراب من الشمس. وأثناء دوران الأرض حول الشمس فإنها تتقاطع مع مدار هذه الأجسام وتؤثر الجاذبية الأرضية على هذه الأجسام فتدخل إلى الغلاف الجوي للأرض ملايين من الأجسام الصلبة الصغيرة جدًا، وبسرعات هائلة تتراوح ما بين 12 إلى 72 كيلومترا في الثانية الواحدة، وهي سرعات كافية لكي يولد الاحتكاك بين الجسيمات والغلاف الجوي، وتكون نتيجته نقطة مضيئة تنطلق في السماء المظلمة، أو خطا لامعا يظهر ويختفي سريعًا، ويعرف ذلك باسم الشهاب. وتنقسم الشهب إلى نوعان:

· الشهب العشوائية

· الزخات الشهبية

ويظهر الشهاب في صفحة السماء على شكل ضوء خافت اللمعان خلال الليل، أو قد يكون له مظهر كرة ملتهبة تجر وراءها ذيلاً، ومكن رؤيته على مسافة مئات الكيلومترات من سطح الأرض، وبعض الشهب قد تكن شديدة اللمعان، حتى أنها قد ترى في ضوء النهار على الرغم من أشعة الشمس الساطعة في السماء.

رخة الشهب . . . حدث سنوي

يجب التفرقة بين الظهور المعتاد للشهب يوميا والذي يكون في حدود شهاب أو اثنين على الأكثر في الساعة أما ظاهرة (رخة الشهب) فتتعدى المئات أو الآلاف في الساعة الواحدة،أما إذا كانت قوية جداً وبلغ عددها الملايين، فإنه يُطلق عليها حينئذ (عواصف الشهب)، وتحدث ظاهرة زخات وعواصف الشهب عندما يتقاطع مدار الأرض مع مدار أحد المذنبات، وبالتالي فإنها تحدث في أوقات معينة من السنة، وتفيد متابعة ظاهرة رخة الشهب خلال الأوقات التي تقع فيها، في التأكد من صحة الحسابات الفلكية، حيث يعتبر حدوثها في الوقت الذي حددته الحسابات الفلكية مؤشرًا على نجاح هذه الحسابات.

ويوجد العديد من الرخات التي يشاهدها سكان الأرض في فترات زمنية محددة من العام، ومن أشهر هذه الرخات رخة الشهب "البرشاوية" التي تظهر يوم 11 أغسطس وتنطلق في السماء من اتجاه مجموعة النجوم المسماه مجموعة "برشاوس"، وذلك نتيجة دخول الأرض في حركتها حول الشمس إلى مدار مذنب "سويفت تنل" فتقابل أعدادا كبيرة من الجسيمات المسببة للشهب، وهناك أيضًا رخة شهبب (الأسد) أو وتظهر في السماء في اتجاه مجموعة (الأسد النجمية) يوم 16 نوفمبر وذلك نتيجة دخول الأرض في مسار أحد المذنبات التي تدور حول الشمس مرة كل 33 سنة، كما توجد رخة (شهب الجوزاء) نسبة إلى ظهورها في اتجاه كوكبة نجوم أو (برج الجوزاء)، وتقع يوم 13 ديسمبر . . . هذا بالإضافة إلى رخات (التنين) يوم 9 أكتوبر، و (الجبار) يوم 20 أكتوبر.


ويعتبر الإظلام التام شرطا هاما لمشاهدة هذه الظاهرة بوضوح، حيث يؤثر ضوء القمر على درجة وضوح وظهور هذه الشهب،كما يمكن رؤيتها في الأماكن البعيدة عن إضاءة المدن مثل القرى الصغيرة والصحاري بشكل أفضل من رؤيتها بالمدن.. ويفضل متابعتها بعد منتصف الليل حيث تكون حركة الشهب الداخلة إلى غلاف الأرض الجوي في اتجاه عكس حركة الغلاف الجوي للأرض مما يزيد من درجة الاحتكاك والتوهج، ويعطي الفرصة لعدد كبير من الجسيمات الصغيرة للاحتراق واللمعان.

غالبا ما يميل لون الشهاب إلى الأصفر، ويعتبر لون الشهاب مؤشرا لمكوناته: فذرات الصوديوم تعطي للشهاب اللون البرتقالي _ الأصفر، و الحديد يعطي اللون الأصفر، والمغنيسيوم يعطي اللون الأزرق المائل للأخضر، والكالسيوم يضفي اللون البنفسجي بعض الشيء، والسيليكون يعطي اللون الأحمر، وبشكل عام، فإن الشهب لا تصدر أصواتا، إلا أنه قد يسمع للشهاب اللامع (الكرة النارية) صوتا أحيانا ويعتقد أن هذا الصوت ناتج عن أمواج راديوية ذات ترددات منخفضة، وقد يترك الشهاب خلفه ذيلا دخانيا، غالبا ما يميل لونه إلى الأخضر بسبب ذرات الأكسجين، وعادة يدوم ثواني أو بضع دقائق.


النيازك .. غزاة من الفضاء

النيازك مفردها (نيزك)، وهي أكبر من الشهب، هي قطع صخور تسبح في الفضاء، وعندما تمر قرب الأرض فإن الجاذبية الأرضية تسحبها إليها، وحين تدخل الغلاف الجوي الأرضي فإنها تحتك بالهواء، وترتفع حرارتها، ومرورها بالغلاف الجوي وارتفاع درجة حرارتها وسقوطها السريع يجعلها تبدو لامعة كالنجوم التي تتحرك بسرعة، فأعتقد البعض أنها نجوم ساقطة.

إن غلافنا الجوي هو الحارس الأمين الذي يحمي البشر من الأجسام الفضائية، ولكن يحدث أحياناً أن تكون تلك الأجسام قوية وكبيرة بحيث تستطيع مقاومة جحيم الاحتكاك، فتتمكن من اختراق الغلاف الجوي، وتضرب سطح كوكب الأرض، وفي هذه الحالة يُطلق عليها (نيازك). وأمكن تصنيف هذه النيازك في أصناف ثلاثة هي:

· النيازك الحديدية، وهي تحتوي على نسبة ضئيلة من النيكل.

· النيازك الصخرية التي يغلب أن تكون كثافتها أعلى من كثافة الأحجار الطبيعية

· النيازك الحديدية الصخرية التي تأخذ شكلاً أسفنجيا

وتكون قوة اندفاع النيزك كبيرة جداً، ولذلك فإن ارتطامه بالأرض يؤدي عادة إلى تكوين حفرة عميقة، وتوجد عدة أمثلة لحوادث سقوط النيازك في جهات متفرقة من العالم، ففي صحراء أريزونا مثلاً استطاع أحد النيازك أن يحفر حفرة يبلغ قطرها كيلوا متر وعمقها 250 متراً . بحيث تبدوا وكأنها فوهة بركان. وقد قدر وزن النيزك الذي حفرها نحو خمسة ملايين طن .


وتسقط النيازك الصغيرة بأعداد هائلة يومياً، أما الكبيرة نسبياً التي تكون كتلتها في حدود عشرة كيلوجرامات أو تزيد فهي قليلة، ولا يزيد عددها في اليوم الواحد عن خمسة . . . وهناك نيازك ضخمة جداً، قد يصل وزنها إلى عشرات الأطنان، وهي نادرة جداً، ولا تصطدم بالأرض إلا كل قرن في المتوسط، أحدث هذه النيازك العملاقة أطلق عليه ( تايجا ) نسبة إلى المنطقة التي ضربها في سيبيريا بشرق روسيا، عام 1947م.

تتكون النيازك إما من الصخر أو من الحديد ، وأضخم نيزك حديدي معروف هو الذي سقط في جنوب إفريقيا ، وكان يزن نحو خمسين طناً، أما أكبر نيزك صخري فكان وزنه نحو طنين وسقط في الصين.

تأتي النيازك من كوكب المريخ أو من القمر أو من الكويكبات أو من المذنبات، ويمكن التعرف على مصدرها بتحليل المواد التي تتكون منها، فإذا تشابهت مع المواد الموجودة في كوكب المريخ مثلاً، فيمكن القول بأن تلك النيازك قادمة من هذا الكوكب. ويهتم العلماء كثيراً بالتحليل الدقيق للنيازك التي تصل إلى كوكب الأرض، يدفعهم إلى ذلك الرغبة في حل أسرار الكون، من خلال تحليل نماذج ( النيازك ) لم يحدث لها أي تعديل، فهي على حالها منذ آلاف الملايين من السنيين، عندما نشأت المجموعة الشمسية.

آثار النيازك على الأرض

في منطقة حديثة في محافظة الأنبار في العراق توجد حفرة كبيرة من أثر سقوط نيزك تسمى هذه الحفرة (بالخسفة) كثيرا ما يقصدها الجيولجيون لدراسة مكونات تربتها. وفي ذات مرة كان مزارع يحرث حقله في يوركشاير في بريطانيا سقط على بعد تسعة أمتار منه نيزك وزنه 25 كيلو غراما.

وقد أرتطم بالأرض نيزكا وقع في منطقة سيبيريا في يوم 30 يونيو 1908م، وكان نيزكا صغيرا ودمر 2000كم2 من الغابات. وكذلك سقط نيزك ضخم في أريزونا بالولايات المتحدة وأحدث فوهة قطرها يربو على الكيلو متر. ومنذ وقت ليس بالبعيد في عام 1947م، سقط نيزك في سيبريا وأحدث انفجارا هائلا.

وهناك نظرية علمية ترى إن انقراض ( الديناصورات)، سببه نيزك عملاق ضرب الكرة الأرضية، فقبل أكثر من 65 مليون سنة كانت (الديناصورات) تعيش على الأرض وفجأة ضربها نيزك عملاق عندما سقط على سطحها وكان يبلغ عرضه حوالي عشرة كيلومترات وسرعته 90 ألف كم/ساعة. وتسبب في القضاء على (الديناصورات)، وتدمير النباتات والأحياء في نطاق آلاف الكيلومترات من موقع سقوطه على الحافة الجنوبية لقارة أمريكا الشمالية. وأباد ما يعادل 70 % من الأحياء من شدة الاصطدام ومن البرد والجليد حيث اجتاح الكرة الأرضية عصر جليدي طويل لم يبق على الديناصورات والحياة بأشكالها المختلفة فوق سطح الأرض ،سواء أكانت نباتية أم حيوانية، ولم يعد لها وجود في سجلات الحفريات القديمة. وتطورت بعده الثدييات وظهر الإنسان.


وفي بداية التسعينات من القرن الماضي عثر العلماء على فوهة هذا الجرم النيزكي وقطرها (180) كم في شبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك وقدرت قوته التدميرية بآلاف القنابل الذرية كالتي ألقيت فوق هيروشيما. وفي عام 1994م أنتبه العلماء لخطورة الأجسام القادمة من الفضاء والتي ترتطم بكوكبنا ولاسيما بعد حادثة المذنب (شوميكر – ليفي) الذي ضرب كوكب المشتري ثم عادت شظاياه بعد أسبوع تصطدم بهذا الكوكب من جديد ونتج عن هذا الاصطدام ما قوته أكبر مما ننتجه من أسلحة الدمار الشامل على الأرض وحدث أيضاً ارتفاع لدرجات الحرارة حتى بلغت ثلاثة أضعاف درجة حرارة سطح الشمس ولو كان هذا الارتطام قد حدث معنا لأصبحت الأرض بما فيها هباءً منثوراً ولأصبحنا في خبر كان.

مصادر النيازك

هناك مصادر للنيازك (asteroids)، بالمجموعة الشمسية من بينها حزام الكويكبات بين كوكبي المريخ والمشتري. وتسير النيازك في مدارات بيضاوية بين الكوكبين. والنيازك صخرية. وتعتبر البقايا أو (النفايات) الناتجة من تشكيل الكواكب بالمجموعة الشمسية. ويسمى النيزك نيزكا عند ارتطامه بالكواكب. ولكن للغلاف الجوي للأرض دورا في حمايتنا من النيازك حيث يحولها لشهب محترقة. ولكن رغم هذا, فالارتطام النيزكي يشكل تهديداً حقيقياً لكوكبنا. وقلما يصل نيزك إلى سطح الأرض، أنه يحترق في الغلاف الجوي. والنيازك التي وصلت سطح الأرض وجد أنها تتركب من نفس العناصر الكيميائية لباقي أجرام المجموعة الشمسية بما فيها كوكب الأرض.


وأكبر نيزك أمكن مشاهدته هو نيزك (سيرس _ 1) الذي قطره 950 كم، (فستا 44 ) الذي قطره 550 كم، وأمكن رصد حوالي 200 نيزك أقطارها أكبر من 97كم كما توجد آلاف من النيازك الصغيرة. وكل كتلة النيازك في مجموعتنا الشمسية اقل كثيرا من كتلة القمر. والنيازك الكبيرة كروية تقريبا وقطرها أقل من 160 كم وأشكالها غير منتظمة. ودون النظر لحجمها تدور معظمها حول نفسها في محورها كل 5 – 20 ساعة. وبعضها لها أقمار تابعة. وقلة من العلماء يعتقدون أن النيازك هي بقايا كوكب سابق. وكانت هذه البقايا يمكن أن تشكل كوكبا له حجم يحتل مكانا بالنظام الشمسي لكن ما حال دون ذلك وجود تأثير جاذبية كوكب المشتري العملاق. وبعض النيازك تتحطم بسبب الاصطدام ببعضها.


يعتقد العلماء أن النيازك تخرج من حزام النيازك (asteroid belt)، لأن حرارة الشمس تسخنها بطريقة غير منتظمة. وهذا ما يجعل النيازك تنحرف ببطء عن المسارات الأصلية لمحيطات دورانها. ودور الغلاف الجوي كبير جداً في حمايتنا من هذه الأجسام الصغيرة والمتوسطة السرعة لكنه يعجز عند السرعات العالية للأجسام التي تقابلنا، كما أنه يعجز أمام الأجسام الكبيرة. وما حدث للمشتري عام 1992م، يمكن أن يحدث في أي وقت بالنسبة لأرضنا ولذلك علينا أن نكون مستعدين لحمايتها وحماية أنفسنا.


نيزك أبوفيس

كان مركز الفضاء النرويجي قد أعلن في أواخر عام 2005م، أن نيزكا كبيرا يطلق عليه "أبو فيس" (APOPHIS) سيرتطم بالأرض عام 2029م. حيث سيدور في فلك خاص به حولها مع اقترابه منها ليصيبها يوم الجمعة 13 أبريل عام 2029م، وسيرتطم بروسيا ويدمر جزءاً كبيراً منها وستشهد الأرض صيفاً لمدة ثلاث سنوات بسبب الغبار المتطاير نتيجة هذا الارتطام المحتمل. ويعد نيزك أبوفيس أكبر نيزك معروف وهو عبارة عن صخرة كبيرة قطرها 500 متر وبسبب دورانه واقترابه من الأرض فمن المحتمل أن يدمر الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء ويتوقع علماء الفيزياء الفضائية قوة ارتطام أبوفيس بالأرض ستعادل انفجار2000 ميجا طن من متفجرات مادة تي إن تي، وسينجم عن الارتطام حفرة قطرها أربعة كيلومترات.


الاحتمالات الواردة

أولاً: يجب أن نوضح أن هناك رأي معارض تمامًا لاحتمال حدوث التصادم ما بين الكويكب والأرض من علماء من داخل الولايات لمتحدة وخارجها.

ثانيًا: إذا أخذنا بفرضية أن الاحتمال ضئيل جدًا ولكنه قائم، فإن معظم الكويكبات التي تخرج عن مدارها هي كويكبات صغيرة الكتلة، وعند وصولها للأرض بتأثير الجاذبية الأرضية، فالاحتمال الأكبر هو أنها ستتلاشى في الغلاف الجوي للأرض، والاحتمال الأصغر هو إفلات أجزاء منها ووصولها إلى سطح الأرض،و في حالة وصولها إلى سطح الأرض فإن هناك احتمالين:


سقوطها داخل محيط أو بحر، ويؤدي ذلك إلى حدوث موجات مائية عالية الارتفاع، تضرب الشواطئ وتتوقف شدتها وقسوتها على الكتلة التي ستسقط في المحيط أو البحر وعن بعد الشواطئ عن منطقة السقوط.

سقوطها على اليابسة فإذا كانت المنطقة بها غابات فيؤدي ذلك إلى حريق هائل ينتج عنه كمية من السناج (الهباب) يحول دون وصول أشعة الشمس بالقدر اللازم لسطح الأرض محدثًا شتاء عالميًّا قد يطول وقد يقصر... أما إذا كان السقوط في منطقة صحراوية... فسوف يكون هو ألطف القضاء والقدر.



إلى وقت قريب جداّ كان علماء الفلك يشعرون بخوف شديد ويحسون أنهم يخوضون حرباّ غير متكافئة مع الوقت، فقد كانوا يعتقدون أن السرعة التي يتجه بها أحد المذنبات، البالغ قطره كلم واحد، نحو الأرض منذ سنة 1989م كفيلة بأن تقضي على مظاهر الحياة في كوكب الأرض. وكان من المتوقع أن يحدث الارتطام بالأرض في سنة 1992م، وعليه فقد اتفق العلماء على وضع بطارية مليئة بالصواريخ النووية من أجل تفجير المذنب أو تغيير اتجاهه خارج مجال الأرض.

ولكن من رحمة الله فإن المذنب لم يرتطم بالأرض ولم يقترب من مدارها إلا بمسافة حوالي 600 ألف كلم، وهي مسافة تثير الرعب في قلوب العلماء، حيث أن تأثيرها على المجال الجوي للأرض وما يحتويه من أقمار إصطناعية أشبه بالمسافة التي تحدثها سرعة الرصاصة في السمع. ولقد مر المذنب بسرعة رهيبة بحيث لم يتمكن العلماء من رؤيته وتصويره في فضائنا إلا مدة يومين فقط، وهو أول مذنب كبير يمر بالقرب من الأرض وتمكنا من رؤيته وتصويره.


وطوال التاريخ الإنساني المثبت لم ير عن كثب جسم قريب بالعين المجردة، واستطاعت المركبات الفضائية (بيونير وفايكنج وفويجير وغيرها) أن تجوب النظام الشمسي وأرسلت صورا للأجرام السماوية الصلبة مليئة بفوهات نتجت عن ارتطام الكويكبات والمذنبات، وأمكن بواسطة التلسكوبات الأرضية رؤية حوالي 3 ألاف فوهة نيزكية على السطح المقابل لنا من القمر، وكوكب الأرض والأجرام الأخرى في النظام الشمسي تعرضوا إلى مثل هذا الارتطام، بقي أن نعرف أن هذه الفرضيات والاحتمالات قد ترددت كثيرًا عبر تاريخ الجنس البشري كله، ولكن الله كان خير حافظ ومعين، وهناك من العلماء المعاصرين من يؤمن ببعض هذه الاحتمالات في تفسير أمور كثيرة في التاريخ الطبيعي كظواهر انقراض الديناصورات، وفي تاريخ البشرية كطوفان نوح وتدمير بعض المدن .....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بشيرة بن مراد أعظم امرأة تونسية قضت عمرها تحت الإقامة الجبرية